الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات الرأي الحر: أيّ مسؤولية للإعلاميين في انتشار العنف والارهاب؟

نشر في  12 فيفري 2014  (10:28)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

منذ ثلاث سنوات تغيّر الإعلام بصفة جذرية في تونس، فبعد الصنصرة الذاتية والحكومية فتحت كلّ الأبواب فكان للإعلام الحرّ فضل كبير في التصدّي لكلّ المشاريع الرافضة للديمقراطية وفي طرح أهمّ مشاكل البلاد لكن هنالك نقائص وأخطاء..
في البداية، لابدّ من التذكير بأنّ الإعلام ساهم ـ بقوة ـ في انتشار المطلبية التي لا تعرف حدودا.. وأعتقد أنّ هناك فرقا كبيرا بين سكان ولاية يطالبون بمستشفى أو بالتشغيل ولهم الحقّ في التعبير عن ذلك  وبين من يسمحون لبعض الأفراد بوضع حواجز لمنع السيارات أو القطار من المرور، أو منع زملائهم من مباشرة عملهم، والمطالبة بمنزل على الفور أو عمل ابتداء من يوم غد أو تمويل زواج أو الإضراب في قطاعات حسّاسة مثل النقل.. فهناك مطالب معقولة ـ مثلا ـ  لعمّال «المناولة» وهناك مطالب مشطّة لمن له شغل ومع ذلك يطالب بزيادات جنونية في الأجر.. وفي خضم ذلك انتشرت ثقافة المطالبة غير المعقولة عبر وسائل الإعلام.


أمّا المسؤولية الثانية للإعلام في مساهمته في انتشار العنف والارهاب فتتمثّل في أن أجهزة الإعلام باتت تستدعي الميليشيات والمتشدّدين وحتى بعض الارهابيين وتفتح لهم منابرها، وهذا يدلّ على انعدام النضج السياسي وكذلك انعدام الوعي بأنّ بعض الخطب التي تبثّها التلفزة خطرة جدّا بما أنّها تبلغ الدعوة الى العنف والارهاب للنفوس الضّعيفة وتجند مزيدا من الشبّان لفائدة الارهابيين والميليشيات المتطرّفة.. فهل بالبحث عن «الأوديمات»  Audimat (نسبة المشاهدة) نخدم مصالح تونس واستقرارها؟ لقد شاهدنا ممثلي الارهابيين يتحدّثون ويدافعون عن العنف والارهاب كما رأينا التلفزات تهرول لتغطية المؤتمرات الصحفية للمتشدّدين أو تأخذ تصريحاتهم حتى أصبحت وسائل الإعلام هذه ـ عن غير قصد ـ تؤدي خدمات جليلة للعصاباتالاجراميّة والمثل العامّي يقول:«كلمة في الصباح وكلمة في العشيّة يردّو المسلمة يهودية».. إنّ المسؤولية السياسيّة لبعض المنشّطين في التلفزات والإذاعات والذين يفتحون منابرهم للمتشدّدين والارهابيين ثابتة لأنّه من الخطأ أن تتحوّل بعض الأجهزة الإعلاميّة إلى أبواق لأعداء الديمقراطية، لكن الركض وراء النجومية وضعف التكوين السياسي الكافي قد يبرّران اختيارات  بعض القنوات وبعض المنشّطين!
ثم هل يقدّر نجوم الإذاعات والتلفزات وبعض الصحف ـ ببثّهم تصريحات الميليشيات والارهابيين ـ مشاعر عائلات الشهداء السياسيين والعسكريين والأمنيين التي فقدت أبناء أو آباء وما تخلفه في نفوسهم  من حرقة ومرارة؟ بماذا تشعر العائلات المنكوبة والمتضرّرة عندما تشاهد دعاة العنف والموت يتحدّثون بلهجة قاسية  أو متهكّمة عن ضحاياهم من أمنيين وجنود ومدنيين وهم داخل تونس وخارجها.. وفي أيّ بلاد في العالم تشاهد على القنوات التلفزية أو تسمع على أمواج الإذاعات أو تقرأ في الصحف أحاديث لدعاة العنف أو الارهاب مع استثناء الجزيرة القطرية طبعا؟ فعلى الصعيد السياسي فإنّ هذه التصرّفات سلبية، وأما على الصعيد الأخلاقي فإنّ هذه الدعوات مرفوضة علما انّ هذه المنابر تساهم في تقديم صورة بطولية للاجرام السياسي بكلّ أنواعه ولا تحترم الضحايا الذين قتلوا غدرا..
انّ المطلوب اليوم من كل المنشّطين والإعلاميين هو عدم السّماح لعبدة العنف أو الموت بتقديم «نظرياتهم» أو الدّفاع عن سفّاكي الدماء لتبرير قتل الأبرياء والديمقراطيين حتى لا يصبح الاغتيال أمرا طبيعيا.. وتافها banal..


فكفانا بحثا عن جلب المشاهدين والمستمعين والقرّاء بكل الوسائل، حتى ولو توهّم المنشط أنّه سيحرج المجرمين الذين لا يمكن لأيّ كان أن يقنعهم بضرورة احترام الحياة والحفاظ عليها وبحتمية نشر الأمن والاستقرار لفائدة الشعب والاقتصاد وشغل العباد ووسطيّة عيش المواطنين والمواطنات!
انّ مسؤوليّتنا كإعلاميين جسيمة فليتنا لا نساهم في تفاقم العنف والاغتيالات وان كان ذلك عن غير قصد. وعلىنجوم الإعلام ألا يدعوا أيّ مساند للارهاب والعنف باسم حرية الإعلام! انّها جريمة في حقّ ضحايا الارهاب وجريمة في حقّ الشعب التونسي!